اعتدت أنا وزملائي من طلبة العلم الشرعي أن ننادي بعضنا البعض بلقب الشيخ كثيراً، حتى جرى هذا اللفظ على ألسنتنا وكأنه لقبٌ عادي، مما دفعني للتساؤل، من الذي يستحق لقب الشيخ حقاً؟ وهل كلُّ من بانت عليه علامات الإلتزام أو طلب العلم يُسمى شيخاً؟
ولم أجد على الإنترنت مقالاً شافياً كافياً يجمع هذه المواضيع ويبيّنها للناس، فارتأيت أن أكتب عنها والله الموفّق.
على من يطلق الناس لقب (شيخ، مطوّع)؟
أصبح هذا اللفظ دارجاً وكثير الاستعمال في مجتمعنا بين طلاب العلم وغيرهم، فكثير من الناس إذا رأى شخصاً ملتحياً يلبس شماغاً بدون عقال سمّاه الشيخ فلان، أو المطوَّع.
وسأبيّن لك المقصود بكلمة مطوّع، ولم بالتحديد الشماغ بدون عقال.
وبعضهم إذا رأى طالب علمٍ عادي سمّاه أيضاً شيخ، وزد عليه إن كان إماماً أو معلِّم قرآن، قد يرفعه إلى درجة الفضيلة فيطلق عليه فضيلة الشيخ فلان، وقد يُطلق هذا اللقب على شخصٍ طويل اللحية بينه وبين العلم الشرعي ما بين المشرق والمغرب، وهذا إشكال تتبعه عواقب!
عندما يلقّب بالشيخ من ليس بشيخ، قد يترتب على ذلك عدة أمور منها:
- الظنُّ بمن لا علم له بأنّه عالم، فيُضِلُّ نفسه وغيره.
- الإساءة إلى اللقب بالأقوال والأفعال المخالفة لمعناه:
فيقول الناس أن الأشياخ يفعلون كذا وكذا، ويتساهلون في كذا وكذا، فيجعلون حكم الخاص على العام، كما حصل مع بعض السفهاء الذين هاجروا إلى الدول الغربية.
- وأما بالنسبة لطلبة العلم فقد يغترُّ بعضهم بإطلاق هذا اللقب عليه، فيدخل العجبُ والكِبرُ في نفسه، فيحمله ذلك على التكلم في الدين بغير علم، والمكابرة على قول: لا أعلم، إن كان لا يعلم، والعياذ بالله.
- كثرة ابتذال هذا اللقب يفقده هيبته فلا يُعطى حقه ومقداره عند ذكره في من يستحقّه.
الاستعمال الصحيح للقب مطوّع؟
وأما لفظة مطوّع فهي أكثر اتساعاً، يطلقها الناس على من يتعبد الله أكثر من غيره، أو يُكثر من النصح، أو يُعلّم الناس القرآن، ونحو ذلك.
بحثت وتقصّيت في معناها فوجدتها في اللغة:
“من اطَّوَّعَ بـ يطَّوَّع، فهو مُطَّوِّع، والمفعول مُطَّوَّع به
• اطَّوَّعَ الشَّخصُ: تطوَّع، تقدّم لعملٍ ما مختارًا “اطَّوَّع في الجيش”.
• اطَّوَّع بالشَّيء: تبرّع به وزاد على ما يجب عليه ” {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} “.
ومما سبق تبيّن أنها في اللغة لا تحمل هذا المعنى الذي نحن بصدده، واستحسنت ما ذكره العلامة ابن باز رحمه الله فقال:
“المطوَّع: من طوّعه الله، وجعله يعمل بطاعته، وينفع الناس، ويصلي بهم، ويعلّم أولادهم”.
فلا تحزن ولا تغضب إن سمّاك أحدهم بهذا اللقب فهو في حقيقته مدحٌ وثناءٌ لك، ويكفيك فخراً أن يشهد لك الناس بطاعة الله جعلني الله وإياكم من أهله وخاصّته.
الاستعمال الصحيح للقب شيخ؟
وأما لقب الشيخ فيأتي على عدة معاني في اللغة منها:
– من أدرك الشيخوخة وهي غالباً عند الخمسين، وهو فوق الكهل ودون الهرم.
– يُسمى به رجال الدين الإسلامي.
-يُسمى به فقهاء الإسلام وكان محصورًا برجال العلم والتصوّف.ويطلق على شيخ البلد، والقبيلة، والمرأة، والإسلام”.
وتحمل اللفظة في علم الفقه و الحديث معاني أخرى لا علاقة لها بما نذكره.
إذاً من الذي يستحق لقب الشيخ في عرفنا؟
هو من صرّحت به الدولة وعيّنته للفتيا، أو من شهد له أهل العلم بذلك، ومن هم في هذا السياق، وليس كلُّ من أخذ شيئاً من العلم الشرعي أصبح شيخاً، ولا يستلزم من بانت عليه سمات وأحوال الشيوخ أن يكون منهم.
وأما لبس الشماغ بغير عِقال
فهي علامة عُرف بها رجال الدين والمطاوعة والأئمة وطلاب العلم، في المملكة العربية السعودية خاصّة، ويرجع السبب في ذلك إلى عدة أقوال:
قيل: أن ذلك من باب الزهد.
وقيل: أنّه بدعة.
وقيل: أن ذلك يعود إلى زمن الدولة العباسية، وأوّل من استنّ هذه السنة هو أبو يوسف الملقّب بقاضي القضاة، جعلها علامةً يُميز بها رجال الدين.
وقد سألت بعض المشايخ والطلّاب في سبب هذه العادة، فاتضح لي من إجابات بعضهم أنّه تقليد لاغير، وقال آخرون أنّ الغالب هو العرف.
وأقول: أنّه بغض النظر عن أصل هذه العادة وأوّل من استنها، فهو عُرفٌ اشتهر في عصرنا الحديث وعلى وجه الخصوص في المملكة العربية السعودية، يُعرف به رجال الدين وطلاب العلم، أخذوه تأسياً أواقتداءً أوتقليداً، عمّن سبقهم من العلماء، فيتأسى الطالب بشيخه، ويقلّد التائب والعائد إلى الله أهل العلم، ويقتدي أهل البلد بعلمائهم أو مشايخهم، وهكذا دواليك.
ورأيت من مشايخنا من يلبس العقال في المناسبات كحفلات الزفاف، ويتركه في غيرها، وليس في ذلك استنقاصاً منه او مّمن فعل كفعله كما يظنّه البعض، بل هو مباحٌ وزيادة في زينة الرجل، ويلبسه على الدوام أسد السنة الشيخ: عثمان الخميس
وقد سُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن حكم لبس العقال فأجاب:
“لبس العقال لا بأس به؛ لأن الأصل في الملبوسات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه، وقد أنكر الله عز وجل على من يحرمون شيئاً من اللباس أو من الطعام بلا دليل شرعي، قال الله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، أما إذا دلَّ دليل على تحريم هذا اللباس سواء كان محرماً لعينه: كالحرير للرجل وما فيه صور للرجل أو المرأة، أو كان محرَّماً لجنسه: كما لو كان هذا اللباس من لباس الكفار الخاص بهم: فإنه يكون حراماً، وإلا فالأصل الحل”.
والخلاصة؛ أنّ أهل العلم الشرعي يُعرفون بهيئات وأوصاف اشتهروا وتميّزوا بها، كلبس الشماغ بغير عِقال وتسميتهم بالمطاوعة أو المشايخ، ولا ينبغي إطلاقها على غيرهم ممّن يشوّه صورتهم وسمعتهم، ولفظ الشيخ على وجه الخصوص لا يُطلق إلا على من يستحقّه مع توافر الشروط فيه، ولا بأس بأن يلبس رجل الدين الشماغ بغير عِقال في المواطن المتعارف عليها، ويضع العقال في مواطن أخرى، ولا بأس بأن ينزع العقال من ليس من هؤلاء بشرط ألّا يسيء إلى هذه الهيئة بأفعاله وأقواله.
هذا ما جاد به القلم، وسلام الله عليك.
شاهد أيضاً:
الأعلى مشاهدة: قصة قصيرة الحصة الثالثة
- كيف تزيد الرفاهية إنتاجك ٣ أضعاف بمقدار 300% ؟
- كيف تجعل الخصوصيةُ البشرَ ينقرضون؟
- كيف يكون صاحب المهارات المتعددة أعلى نفوذاً من مديره؟
- لماذا يكثر المصلون في المساجد بداية شهر رمضان ويقلّون في آخره؟
- ما مدى تأثير سوق العمل على الأمهات في تربية الأبناء؟ وكيف تُهدم الأسر بالاستقلالية والفردية؟
المراجع:
تنبيه Pingback: قصة العمل التطوعي في الحرم المكي الشريف وآثاره المجتمعية – مدونة موسى بن عبد الله